وفي مكان آخر من الديوان ، نرى في قصيدة ( الزنبقة الذاوية)
اتحاده مع عنصر من عناصر الطبيعة، هو الزنبقة في حالة من
حالاتها التي يشي بها عنوان القصيدة ، وهي حالة الذبول.
فهو يتماهى معها من خلال مقارنة ما بين ما صارت إليه من الذبول
بسبب عوامل الطبيعة التي يشخصها الشاعر ككائنات حية تسبب
للزنبقة ما يؤدي بها إلى الموت ، وما صار إليه هو بسبب عوامل
مشابهة معنوية يشخصها الشاعر كذلك ككائنات حية تسبب له ما
يؤدي إلى المصير نفسه .
وهو يخاطب الزنبقة كمخلوق حي يحس ويشعر ويتألم ويعاني ، يقول :
أزنبقة َ السفح ِ؟ مالـــي أراك ِ =تعانقك اللوعــــــة القاسية ؟
أفي قلبك الغض ِّ صوت ُ اللهيب ِ = يرتل أنشودة الهاوية؟
أأسمعَك ِ الليلُ ندب َ القلوب ِ=أأرشفكِ الفجرُ كأس الأسى؟
أصب َّ عليك ِ شعاع ُ الغروب ِ=نجيعَ الحياة ِ ، ودمع المسا؟
أأوقفك الدهرُ حيث يـُفَجـِّ=ـرُ نوْحُ الحياة صُدوعَ الصدورْ؟
وينبثق ُ الليل ُ طيفاً، كئيباً=رهيباً، ويخفق حزن الدهور ْ؟
في مجموع هذه الصور التشخيصية المكثفة، يعرض الشاعر
بأسلوب السؤال الاستنكاري ، وبرنة من الحزن تمزق القلب ،
ما آل إليه حال الزنبقة بسبب تآزر عوامل الطبيعة عليها ،
وكأنه يخاطب إنساناً يتعذب ، كما لو أنه يخاطب ذاته من خلالها.
فاللوعة القاسية ( تعانق ) الزنبقة ، ولنا أن نتصور اللوعة
مخلوقاً حياً بكل ما تحمله اللوعة من معان قاسية ، ثم هي
( تعانق ) الزنبقة ، بكل ما يحمله معنى العناق من الالتصاق
والضم والاحتواء. ثم يتابع ، فيمنح اللهيب صوتاً ، ويجعله
( يرتل ) بـ ( صوته ) ذاك في قلبها الغض أنشودة الهاوية :
أنشودة القبر / الموت. واللهيب هنا كناية عن العطش ، ربما ،
بسبب قلة الري.
ويصعّد الشاعر تكثيف صورة المعاناة بتشخيص الليل كإنسان
يتكلم فيسمع الزنبقة ندب القلوب، وكأن القلوب كذلك أناس
تندب ، ويجعل الفجر إنساناً آخر يرشفـــها كأس الأسى
( مجسماً ها هنا الأسى بنوع من شراب ) ، ثم يستمر في تصعيد
التكثيف بتشخيص شعاع الغروب كإنسان آخر يتآزر مع السابقين
عليها بصب نجيع الحياة ( الدم ) ودمع المسا، كناية عن لون
أشعة الشمس عند الغروب ( الأحمر) ، ولا يتوقف حتى يجعل
الدهر جلاداً يوقفها حيث تتلقى حكمه النهائي بالقضاء المبرم
على ما تبقى فيها من الحياة : حيث يفجّر نوح الحياة صدوع
الصدور ، فكان نوح الحياة تشخيصاً آخر مضافاً إلى كل ما سبق
وكأنه هو الذي ينفذ الحكم بالموت، فيفجر صدع صدرها ، يقتل
الحياة فيها ، لينبثق الليل ُ ( الموت ) طيفاً كئيباً رهيباً ، ومن ثم ،
يخفق حزن الدهور ، فللدهور أيضاً هنا صورة تشخيصية بجعلها
ذات حزن كما البشر .
وإذ ينتهي الشاعر من تصوير حال الزنبقة و ما آلت إليه من نهاية
بائسة، فإنه يهيئنا بذلك إلى مقابلة ما هو عليه بما هي عليه في
المقطع التالي من القصيدة ، وذلك عبر مجموعة أخرى من الصور
الاستعارية التشخيصية :
إذا أضجرتك ِ أغاني الظلام ِ = فقد عذبتني أغاني الجحيم ْ
وإن هجرتك ِ بنات ُ الغيوم ِ =فقد عانقتني بنات الحجيم ْ
وإن سكب الدهر ُ في مسمعيك ِ =نحيب َ الدجى ، وأنين الأملْ
فقد أجـــج الدهر في مهجتي=شواظاً من الحزَن ِ المشتعل ْ
وإن أرشفتك ِ شفاه ُ الحياةِ=رضاب َ الأسى، ورحيق الألمْ
فإني تجرّعتُ من كفها =كؤوساً مؤججة ً ، تضطـرمْ
إذن حال الشاعر كحال الزنبقة الذاوية:
فللظلام أغان ٍ أضجرت الزنبقة، وللجحيم أغان ٍ عذبت
الشاعر.
وبنات الغيوم ( قطرات المطر ) هجرت الزنبقة ، في تعزيز
للصورة في المقطع الأول ( أفي قلبك الغض صوت اللهيب ) ،
وبنات الجحيم ( جمراتها / شعلاتها ) عانقت الشاعر ، وكما
كان عناق اللوعة القاسية للزنبقة في المقطع الأول ، سيكون
عناق بنات الجحيم للشاعر هنا، بما فيه من معاني الالتصاق
والضم والاحتواء.
والدهر قد ( سكب ) في مسمعيها نحيب الدجى وأنين الأمل ،
كما فعل الليل بها في المقطع الأول ، أو هي صورة تكثيفية
للصورة في المقطع الأول حيث الليل هناك أسمعها ندب القلوب
والدهر أجج في مهجة الشاعر شواظ الحزن المشتعل ، كشخص
قاس يشعل كتل الحزن كما يشعل كتل الخشب فتغدو شواظاً في
مهجته.
و( شفاه ) الحياة أرشفت الزنبقة رضاب الأسى( صورة تجسيمية
للأسى كما في المقطع السابق) ورحيق الألم ( صورة تجسيمية
أخرى ) ، كأنها تقبلها كما يفعل البشر، فترشفها بقبلتها رضاب
الأسى ورحيق الألم ، وهذه الحياة نفسها تجرّع الشاعر من ( كفها )
كؤوساً مؤججة تضطرم، ولكن كؤوس ماذا ؟ كؤوس هم .. وحزن وألم .. !
صور تشخيصية متراكمة متتابعة ، يهتم الشاعر من خلال إيرادها
هنا بتكثيف المعنى المراد إيصاله للمتلقي ، حيث يماهي الشاعر
ما بين ذاته و مابين الزنبقة الذاوية وصولاً إلى تصوير ما ألم به
من ذبول وهمود حياة كما هي الزنبقة ، فهو يعكس ما في الطبيعة
من مظاهر تشي بالحزن والألم والنهايات على نفسه توحداً معها شأنه
في ذلك شأن شعراء الرومانسية جميعاً.
________________________________________
اتحاده مع عنصر من عناصر الطبيعة، هو الزنبقة في حالة من
حالاتها التي يشي بها عنوان القصيدة ، وهي حالة الذبول.
فهو يتماهى معها من خلال مقارنة ما بين ما صارت إليه من الذبول
بسبب عوامل الطبيعة التي يشخصها الشاعر ككائنات حية تسبب
للزنبقة ما يؤدي بها إلى الموت ، وما صار إليه هو بسبب عوامل
مشابهة معنوية يشخصها الشاعر كذلك ككائنات حية تسبب له ما
يؤدي إلى المصير نفسه .
وهو يخاطب الزنبقة كمخلوق حي يحس ويشعر ويتألم ويعاني ، يقول :
أزنبقة َ السفح ِ؟ مالـــي أراك ِ =تعانقك اللوعــــــة القاسية ؟
أفي قلبك الغض ِّ صوت ُ اللهيب ِ = يرتل أنشودة الهاوية؟
أأسمعَك ِ الليلُ ندب َ القلوب ِ=أأرشفكِ الفجرُ كأس الأسى؟
أصب َّ عليك ِ شعاع ُ الغروب ِ=نجيعَ الحياة ِ ، ودمع المسا؟
أأوقفك الدهرُ حيث يـُفَجـِّ=ـرُ نوْحُ الحياة صُدوعَ الصدورْ؟
وينبثق ُ الليل ُ طيفاً، كئيباً=رهيباً، ويخفق حزن الدهور ْ؟
في مجموع هذه الصور التشخيصية المكثفة، يعرض الشاعر
بأسلوب السؤال الاستنكاري ، وبرنة من الحزن تمزق القلب ،
ما آل إليه حال الزنبقة بسبب تآزر عوامل الطبيعة عليها ،
وكأنه يخاطب إنساناً يتعذب ، كما لو أنه يخاطب ذاته من خلالها.
فاللوعة القاسية ( تعانق ) الزنبقة ، ولنا أن نتصور اللوعة
مخلوقاً حياً بكل ما تحمله اللوعة من معان قاسية ، ثم هي
( تعانق ) الزنبقة ، بكل ما يحمله معنى العناق من الالتصاق
والضم والاحتواء. ثم يتابع ، فيمنح اللهيب صوتاً ، ويجعله
( يرتل ) بـ ( صوته ) ذاك في قلبها الغض أنشودة الهاوية :
أنشودة القبر / الموت. واللهيب هنا كناية عن العطش ، ربما ،
بسبب قلة الري.
ويصعّد الشاعر تكثيف صورة المعاناة بتشخيص الليل كإنسان
يتكلم فيسمع الزنبقة ندب القلوب، وكأن القلوب كذلك أناس
تندب ، ويجعل الفجر إنساناً آخر يرشفـــها كأس الأسى
( مجسماً ها هنا الأسى بنوع من شراب ) ، ثم يستمر في تصعيد
التكثيف بتشخيص شعاع الغروب كإنسان آخر يتآزر مع السابقين
عليها بصب نجيع الحياة ( الدم ) ودمع المسا، كناية عن لون
أشعة الشمس عند الغروب ( الأحمر) ، ولا يتوقف حتى يجعل
الدهر جلاداً يوقفها حيث تتلقى حكمه النهائي بالقضاء المبرم
على ما تبقى فيها من الحياة : حيث يفجّر نوح الحياة صدوع
الصدور ، فكان نوح الحياة تشخيصاً آخر مضافاً إلى كل ما سبق
وكأنه هو الذي ينفذ الحكم بالموت، فيفجر صدع صدرها ، يقتل
الحياة فيها ، لينبثق الليل ُ ( الموت ) طيفاً كئيباً رهيباً ، ومن ثم ،
يخفق حزن الدهور ، فللدهور أيضاً هنا صورة تشخيصية بجعلها
ذات حزن كما البشر .
وإذ ينتهي الشاعر من تصوير حال الزنبقة و ما آلت إليه من نهاية
بائسة، فإنه يهيئنا بذلك إلى مقابلة ما هو عليه بما هي عليه في
المقطع التالي من القصيدة ، وذلك عبر مجموعة أخرى من الصور
الاستعارية التشخيصية :
إذا أضجرتك ِ أغاني الظلام ِ = فقد عذبتني أغاني الجحيم ْ
وإن هجرتك ِ بنات ُ الغيوم ِ =فقد عانقتني بنات الحجيم ْ
وإن سكب الدهر ُ في مسمعيك ِ =نحيب َ الدجى ، وأنين الأملْ
فقد أجـــج الدهر في مهجتي=شواظاً من الحزَن ِ المشتعل ْ
وإن أرشفتك ِ شفاه ُ الحياةِ=رضاب َ الأسى، ورحيق الألمْ
فإني تجرّعتُ من كفها =كؤوساً مؤججة ً ، تضطـرمْ
إذن حال الشاعر كحال الزنبقة الذاوية:
فللظلام أغان ٍ أضجرت الزنبقة، وللجحيم أغان ٍ عذبت
الشاعر.
وبنات الغيوم ( قطرات المطر ) هجرت الزنبقة ، في تعزيز
للصورة في المقطع الأول ( أفي قلبك الغض صوت اللهيب ) ،
وبنات الجحيم ( جمراتها / شعلاتها ) عانقت الشاعر ، وكما
كان عناق اللوعة القاسية للزنبقة في المقطع الأول ، سيكون
عناق بنات الجحيم للشاعر هنا، بما فيه من معاني الالتصاق
والضم والاحتواء.
والدهر قد ( سكب ) في مسمعيها نحيب الدجى وأنين الأمل ،
كما فعل الليل بها في المقطع الأول ، أو هي صورة تكثيفية
للصورة في المقطع الأول حيث الليل هناك أسمعها ندب القلوب
والدهر أجج في مهجة الشاعر شواظ الحزن المشتعل ، كشخص
قاس يشعل كتل الحزن كما يشعل كتل الخشب فتغدو شواظاً في
مهجته.
و( شفاه ) الحياة أرشفت الزنبقة رضاب الأسى( صورة تجسيمية
للأسى كما في المقطع السابق) ورحيق الألم ( صورة تجسيمية
أخرى ) ، كأنها تقبلها كما يفعل البشر، فترشفها بقبلتها رضاب
الأسى ورحيق الألم ، وهذه الحياة نفسها تجرّع الشاعر من ( كفها )
كؤوساً مؤججة تضطرم، ولكن كؤوس ماذا ؟ كؤوس هم .. وحزن وألم .. !
صور تشخيصية متراكمة متتابعة ، يهتم الشاعر من خلال إيرادها
هنا بتكثيف المعنى المراد إيصاله للمتلقي ، حيث يماهي الشاعر
ما بين ذاته و مابين الزنبقة الذاوية وصولاً إلى تصوير ما ألم به
من ذبول وهمود حياة كما هي الزنبقة ، فهو يعكس ما في الطبيعة
من مظاهر تشي بالحزن والألم والنهايات على نفسه توحداً معها شأنه
في ذلك شأن شعراء الرومانسية جميعاً.
________________________________________
السبت يوليو 20, 2013 7:09 pm من طرف admin
» كلمات الحب
السبت يوليو 20, 2013 7:38 am من طرف admin
» الجري الطويل
الثلاثاء نوفمبر 20, 2012 1:33 am من طرف elghazia
» « مادة الفلسفة : منهجية رائعة جدا لتحليل النص » 2012 / 2011 Bac أصحاب الاستدراكية
الأربعاء يوليو 11, 2012 2:57 am من طرف admin
» الخوف من الفشل في الامتحانات
الأربعاء يوليو 11, 2012 2:54 am من طرف admin
» نتائح الباكالوريا 2012 عبر البريد الالكتروني Taalim.ma
الثلاثاء يونيو 26, 2012 3:28 am من طرف ahmed ahmed
» القرار المنظم لامتحانات البكالوريا
الثلاثاء مايو 01, 2012 7:22 pm من طرف admin
» نكت مضحكة جدا اتحداك ان لم تضحك
الثلاثاء أبريل 10, 2012 6:55 pm من طرف sohab
» ودخل تموت يضحك خخخخخخخخ
الثلاثاء أبريل 10, 2012 6:44 pm من طرف tahiri.imane