منتديات الثانوية التاهيلية ابن المهدي الجراري

أهلاً وسهلاً بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى منك ان تتفضل بالتسجيل اسفله إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب به.

LYCEELJIRARI.IBDA3.ORG

ait.saadan.rachid@gmail.com

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات الثانوية التاهيلية ابن المهدي الجراري

أهلاً وسهلاً بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى منك ان تتفضل بالتسجيل اسفله إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب به.

LYCEELJIRARI.IBDA3.ORG

ait.saadan.rachid@gmail.com

منتديات الثانوية التاهيلية ابن المهدي الجراري

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات الثانوية التاهيلية ابن المهدي الجراري

المنتديات التعليمية

السلام عليكم اخواني ادعوكم للمساهمة في اغناء هدى المنتدى بكل مالديكم من افكار ودروس وملفات وغيرها للرقي بالمنتدى وتلبية متطلبات التلميد والطالب ... بكل ما يحتاجه في مشوره الدراسي وشكرا ... المدير .رشيد ايت سعدان
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على اشرف المرسلين اعزاء الاعضاء في المنتدى والزوار الكرام اتقدم بالشكر الجزيل لكم ولكل من شارك و افادنا بما نحن في امس الحاجة اليه في مسارنا الدراسي ومسار المجتمع ككل .. واتمنى من الله ان تكون منتدياتنا في حسن ضن الجميع. واتمنى لكم مسيرت موفقة في المسارالدراسي وشكرا مدير المنتديات www.lyceeljirari.yoo7.com
السلام عليكم اخواني بالمنتدى ..بعد الشكر ادعوكم الى تكتيف مشاركتكم فمنتدياتنا في حاجة لمداخلاتكم و مزيد من العطاء وشكرا
نطلب منكم التسجيل بأسمائكم او اختيار اسماء لائقة و جادة و خالية من رموز او ارقام المكررة ... ومن يحب من الاعضاء الذين قد تسجلوا ان يغيرو ا اسمائهم يرجى التواصل مع الادارة للتغير الاسماء https://lyceeljirari.yoo7.com/f23-montada لأننا سنقوم ان شاء الله بحذف كل الأسماء الغير اللائقة لأنها اهانة لنا جميعا .

المواضيع الأخيرة

» الموسوعة الثقافية سين وجيم سؤال وجواب
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالسبت يوليو 20, 2013 7:09 pm من طرف admin

»  كلمات الحب
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالسبت يوليو 20, 2013 7:38 am من طرف admin

» الجري الطويل
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالثلاثاء نوفمبر 20, 2012 1:33 am من طرف elghazia

»  « مادة الفلسفة : منهجية رائعة جدا لتحليل النص » 2012 / 2011 Bac أصحاب الاستدراكية
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالأربعاء يوليو 11, 2012 2:57 am من طرف admin

» الخوف من الفشل في الامتحانات
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالأربعاء يوليو 11, 2012 2:54 am من طرف admin

» نتائح الباكالوريا 2012 عبر البريد الالكتروني Taalim.ma
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالثلاثاء يونيو 26, 2012 3:28 am من طرف ahmed ahmed

» القرار المنظم لامتحانات البكالوريا
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالثلاثاء مايو 01, 2012 7:22 pm من طرف admin

» نكت مضحكة جدا اتحداك ان لم تضحك
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالثلاثاء أبريل 10, 2012 6:55 pm من طرف sohab

» ودخل تموت يضحك خخخخخخخخ
الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Emptyالثلاثاء أبريل 10, 2012 6:44 pm من طرف tahiri.imane

بطاقه للتعارف بين أعضاء منتديات التــانوية التاهيلية بن المهدي الجراري

الجمعة يناير 07, 2011 3:31 pm من طرف admin

بطاقه للتعارف بين أعضاء منتديات التــانوية التاهيلية بن المهدي الجراري

هنا عرف بنفسك بدون خجل


السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اخواني الاعضاءاليوم عملت على تهيىءوتقديم لكم بطاقه …

تدفق ال RSS


Yahoo! 
MSN 
AOL 
Netvibes 
Bloglines 

منتديات التانوية التاهيلية على الشبكة الاجتماعية فايس بوك


    الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة

    admin
    admin
    Admin


    عدد المساهمات : 277
    تاريخ التسجيل : 20/08/2010
    العمر : 35
    الموقع : beni zoli zagora

    الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة Empty الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة

    مُساهمة من طرف admin الإثنين فبراير 07, 2011 3:14 pm

    الأسطرة والسخرية في القصة القصيرة
    (القصة الليبية القصيرة بين تداخل الأنواع والخطابات النوعية)





    ننطلق هنا ونحن نحاول أن نجد تصوراً لكيفية تحقق فعل السخرية ونقيضها الأسطرة ضمن الخطاب السردي (قصة، رواية) من السرديات(1)، ومن فصلها الدائم بين المستويات الثلاثة لتحقق الفعل السردي (النص، الخطاب، الحكاية)(2).
    ولمزيد من التخصيص نحدد موضع السخرية و الأسطرة مع غيرها من أنماط الخطابات المتداولة في كل الأجناس تقريباً (الشعر، السيرة الشعبية، الكتابة الصحفية) التي تندرج ضمن النص بشكل صغير أو كبير ضمن ما سنجازف بتسميته سرديات الأجناس(3) والتي تحاول أن تتعاطى في تفكيكها للنص مع مكوناته النوعية والجنسية.
    1-1مدخل نظري:

    أولاً: الخطاب النمطي والسرد:
    يمثل الخطاب النمطي القاعدة الأولى التي بُنِيَ عليها السرد ويتأسس محكيه كما يلي:
    مادة حكائية يرويها راوٍ لمروي له أو لهم. وهذه المادة الحكائية ليس بالضرورة أن تكون ذات علاقة بكاتبها وهي افتراضياً تعتبر مادة لعبية، ولكنها قابلة للتحقق منطقياً في زمن آخر ومكان آخر، ولا توجد علاقة خاصة بين راويها وبينها – هذه المادة - فهو لا يتخذ من خلال التلاعب السردي موقفاً خاصاً وإنما موقفه صريح وواضح من المادة التي يحكيها. كما أنها تتأسس عبر لغة سردية واقعية وغير شعرية، وهي باستمرار عبارة عن حكاية لأحداث وأقوال ظاهرة ليس فيها عوالم غير مرئية أو أشياء عميقة.

    إننـا بذلك أمام الحكاية في جذرها التأسيسي، التي تحولت العديد من التحولات (التي نتجت عن مدارس أدبية وتنظيرات ورؤى فكرية) لتصطبغ من خلال انتقاءات لأحداث خاصة وشخصيات نمطية لرومانسية، كما تحولت من خلال اعتمادها على أحداث حقيقية لواقعية تسجيلية، وتحـولت عبـر الخطابات النوعيـة – التي ليست إلا أداة للتحـايل على اشتراطاتها السابقـة - إلى خطاب جديد تعددي أو فردي نوعي.

    ثانياً: تعريف الخطاب النوعي:
    نقصـد بالخطاب النوعي ذلك الخطاب المتضمن داخل الخطاب الكلي للرواية الذي يتأسس له بحكم تعاليه حضوراً ضمن أجناس وأنواع متعددة ومنها القصة، ويحضر هنا كخطاب من خلال الراوي ليحقق عبر طبيعة النمطية الخاصة الفرصة لخلق قناة أو معبر للانزياح نحو غير النمطي، كما أنه يخترق التداول المعتاد فيتحقق عبر ذلك الاختراق خلخلة فنية وجمالية ويتحول الخطاب الروائي من العادية والنمطية المكررة منفتحة على آفاق وألوان شتى من التعبير والبناء.

    ثالثاً: اشتراطات تحقق الخطاب النمطي:
    سبق أن عرفنا الخطاب النمطي قبل قليل، ونحن هنا نتحدث عن اشتراطات تحققه باعتباره الدرجة الصفر من المحكي على عدة مستويات وعبر القناة الخطابية من الراوي إلى المروي له:
    1) الخطاب النمطي داخل الرواية يحكي أحداثاً حدثت لشخصيات في زمان ومكان عبر لغة عادية سردية.

    2) الخطاب النمطي يحكي قصة، قابلة للتحقق واقعياً. (وهو بهذا ليس فنتازيا).

    3) العلاقة بين الراوي والمادة التي يحكيها في الخطاب النمطي بيّنة وليس فيها خفايا، وكذلك بينه وبين عوالمه التي يؤسسها أو مجتمعه الروائي.(وهو بذلك يختلف عن خطاب السخرية حيث الكاتب يتخذ موقفاً من أحد مكونات حكايته أو كلها أو خطاب الأسطرة الذي يتخذ فيه الكاتب موقفاً من أحد بُنى حكايته أو كلها).

    4) الحكاية التي يحكيها الخطاب النمطي لعبية وليس بالضرورة أن تكون قد حدثت. ولكن يفترض الكاتب والقارئ أنها حدثت لكي تمضي حركة السرد. وفي حال ظهور ما ينبئ عن تحقق حدوثها واقعياً فإن هذا يقودنا إذا كان ذاتياً للسيرة وإذا كان غير ذلك للتاريخ. بينما إذا طرِح ما يشكك في اتفاق الكاتب والقارئ اللحظي على تحقق المادة فإن ذلك يخرق هذا الاتفاق ويقودنا لمنطق حضور الكاتب أو شخصية خارجية داخلياً.

    5) الخطاب النمطي يتناول غالباً عوالم ظاهرة ومدرَكة عبر الحواس بسهولة. وذات أبعاد منطقية و نهج سببي (له أسباب منطقية) في التحقق. وخرقه يخرق هذا الشرط.

    رابعاً: التعريف ببعض الخطابات النوعية ضمن الخطابات السردية الحديثة:

    1) الخطاب الفنتازي (الغرائبي والعجائبي) كخطاب نوعي.

    أ) الخطاب الغرائبي كخطاب نوع:
    يمثل الخطاب الغرائبي حالة خروج عن الشرط الثاني من شروط الخطاب السردي النمطي؛ أي قابلية حكاية الخطاب السردي النمطي للتحقق، حيث يطرح الخطاب الفنتازي بنوعيه الغرائبي والعجائبي مادة غير قابلة للتحقق واقعياً ولكن الراوي بقدراته الفنية وعبر هذا الخطاب النوعي يجعلها قابلة للتحقق.

    والخطاب الغرائبي كما العجائبي موجود وبقوة في الحكايات الشعبية، وفي السير البطولية وغيرها، وهو متواجد على المستوى الشفهي أو المستوى المكتوب؛ بل إن الفنتازي بنوعيه (الغرائبي والعجائبي) كان الخطاب النوعي الأكثر حضوراً في روايات الرواة الشفهية في السير الشعبية العربية القديمة.

    ب) الخطاب العجائبي كخطاب نوعي:
    يختلف العجائبي عن الغرائبي في نقطة مركزية هي: قضية الترهيب أو طاقة الخوف التي تتلبس الخطاب الغرائبي وطاقة الإدهاش التي يتسم بها الخطاب العجائبي.

    والخطاب العجائبي خطاب موجود كما الغرائبي في السير الشعبية ويتحقق مثله من خلال الخروج عن الشرط الثاني من شروط تحقق الخطاب السردي النمطي بكون الخطاب العجائبي يبنى على عدم قابلية تحققه منطقياً، وهو موجود بكثرة في الرواية العربية وعلى عدة مستويات من التواجد؛ حيث من الممكن أن يحضر بشكل بسيط وسريع أو يصبح مادة لعمل متكامل.

    2) الخطاب الساخر:

    يتحقق الخطاب الساخر داخل الرواية من خلال الإخلال بالشرط الثالث من شروط الخطاب السردي النمطي سابقة الذكر، وهو شرط العلاقة بين الراوي والمادة التي يحكيها التي تكون في الخطاب المذكور مبنية على الوضوح، حيث الراوي يستخدم طريقة مباشرة وواضحة في التعاطي مع المجتمع الحكائي الذي يرسمه، بينما في الخطاب الساخر تكون هناك علاقة سخرية خفية يمارسها الراوي متلاعباً بالعلاقة بينه وبين المروي لهم، وكذلك مبيّناً بشكل خفي عن موقف من تلك العوالم بطريقة غير مباشرة، والخطاب الساخر موجود في الأحاديث الشفوية وفي الأدب المكتوب بأشكال مختلفة ومتنوعة.

    3) خطاب الأسطرة (التفخيم):

    وهو خطاب نوعي عكس الخطاب الساخر - تقريباً - وهو مثله يتحقق من خلال الإخلال بالشرط الثالث من شروط الخطاب الواقعي وهو شرط العلاقة الأولى بين الراوي والمادة التي يحكيها؛ أي أن هناك علاقة خاصة بين راوي الخطاب والمادة الحكائية، التي قد تكون حدثاً ما أو شخصية ما أو مجتمعاً روائياً متكاملاً كما يرى أي متتبع لخطاب الأسطرة في الكثير من روايات «الكوني» مثل «واو الصغرى» وكذلك قصصه مثل مجموعة القفص، حيث نجد منذ البداية أنفسنا في خطاب الأسطرة النوعي من خلال توظيف الراوي لكافة مكونات الخطاب ضمن هذا الخطاب النوعي وعبر طاقة التفخيم والأسطرة المؤسسة له.

    4) خطاب السيرة الذاتية النوعي:

    تمثل السيرة الذاتية نفس الخطاب السردي النمطي، مع الإخلال بشرط أن المادة المحكية ضمن ذلك الخطاب (لعبية)، وليس بالضرورة أن تكون قد وقعت، بينما في السيرة الذاتية نحن أمام سرد لأحداث –يفترض- أنها وقعت لصاحبها الذي يحكيها عبر سيرته (ونحن نقصد هنا سيرة ذاتية مكتملة العقد)، وليس المنطقة المختلطة بين السيرة الذاتية والخطاب السردي النمطي التي تفنن الكثيرون في إنشاء تسميات لها(4).

    5) الخطاب التأملي النوعي:

    يتحقق عبر الخطاب التأملي النوعي خروجاً عن الشرط الأول من شروط تحقق الخطاب السردي النمطي، وهي السردية، حيث نتحول في الخطاب النوعي التأملي من الإخبار والسرد إلى التأمل والفكر.

    والخطاب التأملي ينقسم لعدة أنواع من خلال طبيعة الفلسفة أو العلائق الفكرية التي يطرحها الراوي أو المتأمل عبر رؤيته ومن خلال هذا الخطاب النوعي، وكذلك طبيعة الفلسفة أو الرؤية التي تغلب عليه. ونجد الخطاب التأملي أحياناً يأتي كنتيجة لاشتغال خطاب ساخر او خطاب أسطرة وهو ما سنرى بعضاً منه في القصص التالية.كما يتم التأمل ضمن السرد لبناء الشخصيات أو التأمل لتفسير حدوث أحداث وغيرها من الأدوار السردية غير المباشرة.

    خامساً: خطاب الأجناس والأنواع الأخرى:
    يندرج كخطاب نوعي ضمن مجموع الأخطبة النوعية المؤسسة للخطاب الروائي الحديث، العديد من الأخطبة الحاوية لأجناس وأنواع تعبيرية أخرى، فنجد شعر النثر وهو ينتمي لجنس آخر غير جنس السرد، حيث يخرج جنس الشعر من تداوليته المعتادة لتداولية أخرى ويصير هو نفسه فاعلاً خاصاً مع مجموعة فواعل الخطاب. ومنها أيضاً المقال والرسالة والمذكرة وغيرها التي تنتمي من حيث نوعها لتعبيرية أخرى، ولكنها تحضر هنا داخل القصة والرواية لتؤدي غرضاً خاصاً مطلوباً منها ضمن السياق.

    سادساً: الخطاب السردي وتداخل الأخطبة النوعية:
    ليس الخطاب الروائي إلا تعريفاً عاماً لهذه الأخطبة النوعية المتتالية ضمن الخطاب الروائي، بينما يمثل المعمار الروائي البناء التركيبي لهذا الخطاب والمكون من مجموعة من الخطابات النوعية المتعالية التي تجتمع داخل الخطاب الروائي. ونحن كما رأينا من خلال الروايات، أو التعريفات السابقة أن معمار الرواية باعتباره تركيباً يتكون من هذه الأخطبة النوعيةيبقى هو المدخل الشرعي لنا مع الوعي بأن للمستوى النصي مواضعه التي لن نقترب منها هنا في هذا البحث.

    2-1: فعل الأسطرة في مجموعة السوأة

    أولاً: عتبات السوأة والأسطرة:
    تمثل مجموعة السوأة لعبد الله الغزال تجربة خاصة في رصيد القصة الليبية والعربية بما احتوت عليه من قدرة تصويرية ومن شعرية عالية، كذلك وعي الكاتب بدور كل ممكنات النص في خلق المجموعة القصصية فوظف العناوين، والعتبات السابقة للنصوص، وكذلك حضور شخصيات خاصة رسم عبرها رؤيته لعالم الأشياء، وكان لقيامه عبر اللغة المميزة بأسطرة الشخصيات وأسطرة الفضاء المكاني للحدث وأسطرة كل ما يحدث الفرصة لكي ينطلق ويتأمل في تلك المستويات التي قام بأسطرتها.

    لنتابع هنا كيف يتم فعل الأسطرة في العتبة السابقة للنص، حيث نحن هنا مع الكاتب وهو ينقلنا من أجواء النصوص التسجيلية العادية لعوالم أخرى، ثم ينطلق من تلك العوالم ليمارس فعل تأمله المستمر للكون والأشياء ويطرح رؤيته الخاصة فيما يحيط به من موجودات.

    «.. قبل أن يحين موعد فتق الرتق العظيم لتنفصل السماوات العالية عن الأراضي الواطئة، وقبل أن تبدأ الأجرام الجبارة شعائر السبح العظيم في أفلاك الزمان، وقبل أن تتعرَّى سَوْءات الكائنات في فجيعة الإنزال من عالم الجَمْع إلى عالم الفَرْق. من عالم الـحُسْن المطلق إلى دنيا الضياع والتشتيت.. قبل ذلك كله، ساءل الزمانُ الزمانَ، وساءل المكانُ المكانَ عن سر الغيب الجديد، عن طلسم الطور الجديد.. تململت الأجرام في طَوَفَانِها، وبدأت ظلال الخليقة المدفونة في العدم شعائرَ الخصف ناظرة ميعاد انكشاف السوأة الكبرى، يوم لا يشرب الإنسان إلا من دم الإنسان، ويوم لا تبني الكائنات أبدانها إلا من لحوم الكائنات. يوم تغضب الأرض الكبرى من طوفان الوجود، ويلوي عنقَها الحنينُ الفادحُ إلى أزل الرتق القديم»(5).

    إننا كما نرى أمام عودة زمنية للماضي وصياغة لسؤال المولى للكائن الإنسي الذي يحدث عبر أسطرته هنا أن يصبح مادة لما يريد أن يبرزه الكاتب عبره، الأسطرة كما نرى هنا تتم على مستوى الخطاب من خلال اللغة الخاصة، وكذلك على المستوى النصي عبر أبعاد الكلمات المستخدمة في صياغة هذه الصورة.

    كما أنها هنا ليست مجرد تعلية لقيمة ما أو شخصية ما إنها أسطرة لكل شيء بحيث يصبح العالم الذي سندخله عالماً مختلفاً، عالماً غير خاضع لقوانيننا العادية ويصبح من الممكن للكاتب أن يقول ما يريده.

    ثانياً: الأسطرة والتأمل في قصة الغريق:
    النص الثاني من نصوص مجموعة السوأة هو الغريق. نجد فيه تأمل الراوي في شخصية الغريق الممزق بين الجسد والروح. يبدأ الكاتب منذ البداية بتوجيه الخطاب نحو أفق الحدود القصوى عبر العتبة السابقة للنص، وبدل أن ينتقي مستقطعاً من كاتب آخر، كان عبدالله الغزال ينقل أشياء كتبها بأسماء شخصياته:
    «.. في اليوم الموعود، تصطبغ السماء بدم القربان وتهب الريح من ناحية الماء، ويتقدم الطوفان ليغمر رفات الأسلاف، عندئد تغتسل الأرض من دنس الطين، وتتطهر من رجس الصلصال».«شيخ البحر»»(6).

    ثم نجدنا في صور خاصة مع سرد متتالٍ ونصوص شعرية طويلة، ترسم الحزن العميق، حيث تبدأ القصة بحادثة غرق أحد الشخصيات.

    لنتابع هنا صورة الغريق وهو في مياه البحر وقبل ذلك نتابع صورة الحدث الأول وكيف كان التقاء الناس حوله.

    « بعد يومين من اللقاء الأخير طرح البحر جثة الغريق..

    تدافع الخلق منذ الغبش. بدوا كالأشباح وهم يهرولون ناحية السد الصخري الهائل يتحققون من النبأ. ركض بعضهم حافياً. في الشريط الرملي بلغت الفوضى ذروتها..علا الصياح..

    - الجرف.. الجرف.. لقد أكلت مياه الجرف أحد الصيادين.

    - إنه ليس أحد الصيادين.! إنه «السليل».!
    - «السليل»؟(7).

    بعد هذا المقطع الذي يمثل أولى لحظات تحقق النص الروائي، سنجد صورة الغريق وهي صورة تعاضد لتحقيقها كم كبير من التقنيات السردية، حيث نجد ألفاظ الفجيعة مع تتالي مجموعة من الصور الصغيرة التي تشتغل كلها لتحقق صورة متكاملة لذلك الغريق:
    «اتخذت الأمواج ذلك اللون الأبدي الموحش وهي تتصارع مع الجسد المنهوش لتقذفه خارج أحشاء الماء. تتجمع الموجة، تنحت لنفسها من الوسط المائع المترجرج تكويناً محدَّباً رمادياً لامعاً ثم يبدأ متصاعداً ببطء في طقوس أشبه بالمعجزة. يرتفع التكوين المخيف فوق سطح اللجة القاتمة، ينتصب، ينحني، ثم يكر زاحفاً ليصدم الجثة الطافية في طغيان جبار، ثم تتبعها أخرى. تتلاطم بقايا الموجة الفانية مع الأخرى الخارجة تواً في تكوينها الجديد من غيهب الماء والزبد. يتململ الجسم الميت، يعبق الفضاء الراكد بالنتن، وتنحسر المياه المزبدة اللجوجة. من بعيد تتحضر نوبة أخرى من الهياج المائي»(Cool.
    يمارس الكاتب فيما سبق فعل الأسطرة، وذلك برسم صورة جبارة لحركة البحر وهو يضرب الجسد الميت، هنا كما نلاحظ الأسطرة تتم بحيث تصبح هذه الصورة ذاتها مليئة بالدلالات وطاقة للتأمل. كما نجد ذلك في هذا المقطع، حيث التقى الفتى وفتاته على رمل البحر نجد عبر لغة الأسطرة العلاقة غير الجسدية حيث نحن في الحدود القصوى للأشياء.

    «نائلة» كان هواها لجوجاً. حتى في صمته واعتزاله وأشواقه العارمة التي أينعت في نفسه ممتدة من صمت الشيخ. لم تفهم «نائلة» وسيلة النزول إلى وهاد كبريائه المتوارية خلف شعائر احتراق سكونه. حين يلتقيان، لا يملك إلا أن يرى ضرام الحريق المائج في مقلتها الشاردة الطافحة بلهيب أنثوي مورد بالفتنة والإغواء. ولكن كلمات الشيخ الغامضة الموغلة في الإشارة والغموض «ما أكذب من يرون في العشق مذهباً»، ترددت في رأسه كنقر على إناء من نحاس»(9).

    إن الشخصية كما نرى أمام حالة صراع بين الذات وما تريد وبين المعلم أو الشيخ وبين الرفيقة نائلة، بحيث يصبح نتيجة لهذا الصراع السكون ذاته احتراقاً. ولكن هل سنبقى عند هذه الحدود فقط؟

    سنجد القصة عند عبد الله الغزال تغطي جزءاً من عمر الشخصية بحيث تقترب لتكون رواية صغيرة.
    هنا يتقدم الخطاب السردي للأمام ليرسم صورة ما بعد غرقه وما بعد تجمع الناس:
    «أثناء الهجوم التالي للمياه الداكنة ارتفع مد الماء فجأة في هيئة أسطورية راعبة، تجمعت بقايا الأمواج المرتدة عن صخور الجرف صانعة سداً مائياً مقوساً مدججاً بالزبد، ثم شنت هجوماً ضارياً سريعاً آخر، تمجاوت الجثة فوق اللجة وارتطمت بالصخور. انخلعت الكتف اليسرى المخضرة المكسوة بالطحالب، ونهشت أسنان الصخور قطعة أخرى هائلة من فروة الرأس. لمعت عظام الجمجمة في الزبد والماء الأزرق المسود.

    صاح « المسعودي» ساخطاً:
    - ألن تخرجوه؟ على أي شيء تتفرجون يا كلاب ؟

    تحرك الموج، وتحرك الهواء، وعبقت الرائحة النتنة.

    في الموضع حيث تزمجر المياه حول الجثة الطافية ظهر الخلل الذي تركه انخلاع الكتف، واسود الماء. بدأ الملح الأجاج يمص الدم الأسود من الجسد المشوه المنفوخ. تعكر الزبد وظهرت حفرتا العينين عميقتين يملأهما الماء. أكلت كائنات البحر المقلتين ونهشت جزءاً من الشفة السفلى»(10).

    إن المقطع السابق الطويل يرسم أمامنا رغبة الراوي في أسطرة صورة الموت، تلك الصورة التي ترسم في حدود البشاعة القصوى عبر الصورة الماضية، حيث يرسم أمامنا حدث انخلاع الكتف، وكذلك التشوه الحاصل للجسد المنفوخ والحفر في العينين، بحيث يتحول كل ذلك للاشتغال بالتجاور مع فعل العتبة الأولى التي تحدثنا عن العهد القديم بين الكائن والخالق.

    بينما نتابع هنا كيف تربى هذا التعس المسمى (السليل) وكيف كان ماضيه عبر (العودة الزمنية) كما لنتابع هنا العودة الزمنية كيف تتم وكيف يتم فعل أسطرة مولده.

    «لم تُعرف للسليل أمٌ، وجدوه عُرياناً في يومه الأول محشوراً بين صخور الشاطئ على مقربة من السفح الشرقي للهاوية. هرول الشيخ إلى الوليد. عندما نظر في عينيه الصغيرتين المغسولتين ببريق كبريق الياقوت الأخضر قرأ تهاليل البشارة(11).

    إننا على الرغم من أننا نمتلك بهذا الشكل حدوداً للحكاية، إلا أن الحكاية في مجموعة السوأة ليست هي الهدف، فهنا سنجد رؤية لتشكل الشيخ المربي «للسليل». الشيخ يطرح أمامه بصورة موغلة في الغموض رؤيته للحياة والموت ويطالبه بروح الأب أن يلتزم ويتوقف عن لقاء الإناث، ويتحول هذا التلميح الخاص والخفي لطاقة فعل على ذات الشخصية الذي يعاني من تعارض الرغبات بالمعتقدات

    ضمن هذه المتاهة يتحول البحر (لأسطورة أو موطن للسر) وتصبح أسطرة البحر جزءاً من أسطرة الذات وجزءاً من البحث عن السر الذي كان وراء موت السليل الرمزي، حيث طبيعة النص المفتوح تتيح لنا أن نطلق ما نشاء من التفاسير للفواعل والأحداث الجانبية التي يتم تشخيصها، حيث الكلاب الطوافة على الشواطئ تنظر بحقد للمارة، وحيث تتناهب الإنسان طاقتا الجسد والروح، كما يجب أن يكون هناك إنسان يضحي، وهذه التضحية توجع القلوب تسبب الألم لأن ما وراءها هو عدم العودة وهذه التضحية مبنية على فهم السر وفهم السر له علاقة بالقرب من الرب خالق كل شيء.
    بهذا الشكل تتحرك مجموعة من المتواليات المترابطة في النص تغلفها طاقة الأسطرة التي كانت مكمن القوة واللغة الشعرية العالية واللفظ المتناص مع المقدس والعظيم والحدود القصوى للمعنى.

    «حتى حين كبر وأصابته علة العشق لم يفهم لماذا يضطرم قلبه بذلك النوع من الحنين المجهول كلما التقى «نائلة» ورافقها إلى البحر، كما أنه لم يفهم لماذا يرتق الصيادون الشباك، ولماذا يصاولون البحر الذي يطرح لهم بنفسه طوعاً في المواسم هذه الأسماك على الرمل. ولكن الشيخ يقول إن هذه الحيتان هي كائنات ملعونة، ويتحدث في غموض عن سر الهدوء العجيب الذي أصاب البحر لأجيال طويلة. لم ير البحر هائجاً لأجيال. كان دائماً راكداً. ذليلاً. تشق ظهره الزوارق، وتبول على ضفافه الكلاب، ويأكل العمران من لحمته الحية»(12).
    إن البحر كما نرى هنا يصبح كائناً رمزياً ترتبط به ذوات أخرى منها ذوات العارفين بالسر، ومنهم الشيخ الذي تحسر على ركوده الطويل. بينما سنجده هنا موطناً للسر أيضاً، هنا نتابع كيف يقرأ الشيخ أمام تلميذه ما سطرته يداه من زمن وهو يقدم بذات لهجة الوجد والأسطرة.
    «على دفقات الضوء الأصفر لمح «السليل» السطور المزبورة على الأديم. تقرفص الشيخ وبدأ يقرأ:

    تنحسر الأرض بعيداً عن صدر المد الأزرق المتلاطم. تتحول الكائنات صخوراً معجونة بهياكل الأصداف، وأبنية يفتتها الزمن والريح، ولكن صدر البحر الرحيم يغلي بالحنين. تفور أسطاحه بالأنفاس الخالدة. تتابع صاعدة إلى الملكوت. ينزلها الإله العظيم ماء تشربه الأرض»(13).

    إننا كما نرى أمام قدرة هائلة على الوصف الذي يحقق فعل أسطرة البحر وأسطرة الشخصيات ومفاهيمها أيضاً ذاتها بحيث يصبح هذا الفعل نوعاً من تلوين السرد بالغموض المناسب للحظة تعليم الشيخ لتلميذه تلك.

    سنجد في الصورة التالية (السر) الذي يبدو قريباً من الإيحاء بضرورة الموت لكي تولد حياة جديدة، بضرورة الموت لكي ينتشر الضياء، يتحقق ذلك عبر فعل الصورة السينمائية والفاعل (المنتقى بدقة) المتمثل في الفراشة التي تلف حول الضياء التي تحترق قرب منبع النور ويبرز ذلك أكثر صورة الشيخ الباكي:
    «خيل للفتى أنه لمح الشقاء في المقلتين الغائبتين. استمر الشيخ يقرأ بنغمة خافتة تشبه هسيس النار. تابعه مذهولاً. أرعش اصطدام الفراشة البيضاء انسكاب أضواء المصباح المتدلي من السقف. حطت الفراشة في ركن خفي ثم عاودت الحومان. تحركت في المكان ظلال خافقة، وعلا صوت صفق أجنحتها السريعة وهي تعاود هجومها المفتون على موضع توهج الأشعة. بعد قليل نهض الشيخ. أعاد الصحف إلى مكانها المعتم. عادت الأجنحة السريعة البيضاء إلى الرفيف حول زجاجة المصباح. تابعتها عينا الشيخ بابتسامة حزينة خاوية. التفت إلى الشاب مرتجفاً. عانقه طويلاً وهو ينشج نشيجاً مكلوماً. بعد لحظات غمرت الهواء رائحة شيء يحترق. رفع الشيخ رأسه ناحية المصباح. من وراء الزجاجة كانت الفراشة تحترق. قرأ «السليل» الإشارة في دمعة حارة نزلت من عين الشيخ. قبل أن يمد يده الموسومة بالغضون إلى الفانوس ويطفئ المصباح. رفرف الضياء الشاحب ثم اختنق وتبعثر في الليل الأبدي»(14).

    إنا كما نرى أمام السر والعهد والعلاقة بين الشيخ والسليل الذي يمثل التلميذ المطيع أو المريد (بحسب مفاهيم الصوفية)، وإذ استوعب السليل السر وفهم تخوم المعنى كان لزاماً أن يمضي للموت الرمزي. يمضي إليه من غير أن يخرج السر أو يبوح به.

    سيتابع القارئ في القسم الثامن عودة الزمن للأمام وكفاح المسعودي لإخراج رفيقه ولكن هيهات ففوهة الجرف (المشهور بابتلاعه للخلق) كانت تنتظره كما نتابع في القسم التاسع تدخل الشيخ وأمره بالخروج وسط أسطرة للجرف ولما وجده المسعودي فيه.
    « لمعت صلعة الرأس القديمة تحت أشعة النهار الصاعد. خيل إليه أيضاً أنه سمع الصوت الجليل.

    - اخرج يا «مسعودي».!

    كان نظر الشيخ مسلطاً في نوع الفتون الغريب على جسد الغريق المتحلل، شرع الطوفان في شعائر الافتراس المقدس. دمدم بالنداء مرة أخرى. جاء صوته عالياً هذه المرة:
    - اخرج يا «مسعودي».

    أذعن « المسعودي» للأمر. صعد دهشاً. غائباً. تسلق في وهن. لمح الجمع البصر الزائغ في عينيه وهو يتشبث بالصخور. وصل إلى القمة. انطرح على ظهره قرب أقدام الشيخ. وتغير سلوك البحر بغتة. راقبته العيون اللجوجة بارتياع. امتص الماء أولاً بقع الدم العائمة ثم تلا ذلك هدوء متدرج للموج المحتدم. عاد لماء الجرف الصفاء وماتت الريح. تلاشت الأشلاء. حمل الهدوء الفائح بالشذا الغامض الغريق إلى المجهول وتلون الأفق بلون غامض. بدأ الناس ينسحبون بوجوه زائغة، وقرأ الشيخ تهاليل البشارة»(15).

    هنا الشيخ ذاته يحصل له التحول، وهو ذاته يقرر السير في طريق التلميذ، كل ذلك ضمن نسق الأسطرة التي رأيناها سابقاً.
    وبعد تلك القصيدة التي كانت ترسم برمزية أبعاد المأساة التي يعيشها الشيخ وواقعه الذي من الممكن أن نسقطه على ما نشاء من أزمات أمتنا لو رغبنا سنجد قصيدة النثر، وهنا القاص يتحول لشاعر يرسم بواسطة القصيدة لون المزيد من الأبعاد الموغلة في عمقها من تلك الذوات.

    وفي نهاية القصة نجد النهاية الأسطورية ذاتها مع المطر الذي يمثل رمز الخلاص أو التطهير :
    «ارتفع الموج أكثر!

    ابتسم وجه الشيخ النحيل الباكي. تلاصقت الغضون الموسومة على الوجه المبلل بالعبرات. أكمل سيره. قصد فوهة الهاوية واختفى في رماد الفجر المحترق قبل أن تتلامع الآفاق بخطوط النار. لمع البرق المقدس في تعرجات خاطفة شبيهة بطقوس الإيماض المتولد عن الشهب حين تسحق مَريداً من كهنة الظلام. شق البرق صفحة السماء المقوسة في خيوط سريعة متعرجة، وبعد لحظات تفجرت سماء المدينة بقصف الرعد(16).

    إنها النهاية حيث نبع الجرف هو المساق الصحيح وحيث السر في إدراك أن الموت يهب الحياة وأنه في الخلاص تطهير، كل هذه القيم والكثير مما لم أذكره قدم بنفس نمط الأسطرة، فكان خطاب الأسطرة بذلك الحاضن الحقيقي لكل هذه التفجرات المكنونة داخل الذوات كما مكن الراوي أن يرفع دراما الخطاب ويخرجه من درك الحوار السطحي والوصف البسيط للمطلق والعميق وبعيد الغور كما ترسم أمامنا التجربة السابقة في قصة الغريق كيف يتم عبر خطاب الأسطرة تحقيق رفع للدراما دون اعتماد على الحكاية ذاتها بحيث تصبح الحكاية مجرد فاعل هي ذاتها للتحرك بالخطاب نحو الأفاق المفتوحة للخطاب، وذلك ما يتوافق مع العتبة الأولى التي سبق أن تحدثنا عنها.

    1-3: السخرية والأسطرة في مجموعة «رماد السنوات المحترقة» لجمعة الفاخري.

    أولاً: مدخل:
    تتحقق السخرية في مجموعة (جمعة الفاخري) كما سنرى على كافة مستويات اشتغال النص، حيث نجد السخرية على المستوى النصي من خلال العنوان «رماد السنوات المحترقة الذي سنكتشف أنه يخترق كل القصص، حيث نجدنا باستمرار مع شخصيات انتهى لعبها ودخلت للوقت الضائع ونجد الراوي يرسم بلغة (تتكدس بها الجمل الوصفية)صورة تلك الشخصيات وحاله وأوهامها»(17).

    ثانياً: سخرية الراوي من الشخصية أمام المروي لهم في قصة (رماد السنوات المحترقة):
    سنجد نوعاً من السخرية يتم بواسطة الراوي الذي يتحول لممارسة السخرية من الشخصية، وذلك إكمالاً لنهج تشكيلها ورسم ظروفها أمام المروي لهم لنتابع مثل هذا النوع من التشخيص في قصة جمعة الفاخري (رماد السنوات المحترقة)
    « على بابِ خزانةِ ملابسهِ المخلَّعِ اعترضَهُ تقويمٌ سنويِّ تعلوه طبقةٌ سميكةٌ من غبار.. كوَّرَ شفتيهِ مثلَ فمِ بالونٍ مُمَطَّطٍ.. نفثَ من أعماقِهِ هواءً ملوّثاً طارداً بنفختيـنِ بعضَ الغبارِ (...) لوى بصرَهُ المنهكَ نحوَ ساعتِهِ الهرمةِ مستبيناً (.....) بصقَ صوبَ التقويمِ المغَبَّـرِ.. اختلطَ الرذاذُ الكثيفُ بالغبارِ.. انزلقَ سائلٌ لزجٌ على سطحِ التقويمِ الكرتونيِّ الصقيلِ.. تسايلَ إلى أسفل باتجاهِ السياجِ الفسفوريِّ.. اختفتْ بعضَ أرقامِ التاريخِ المُظَلَّلِ.

    امتدَّتْ يدُهُ لدرجِ مكتبتِهِ العتيقةِ المتكئةِ بوهنٍ في إحدى زوايا الغرفةِ الهرمةِ.. أخرجَ منهُ عدةَ مظاريفَ حبلى.. أودعَ بإحداها الرسالةَ..»(18).

    إننا كما نرى أمام الراوي وهو يرسم الشخصية أمامنا ويشتغل بكل قوته لرسم صورة نمطية لتعاسة ذلك الكائن. السخرية تتم هنا من الشخصية ذاتها وبذلك تنشأ علاقة خاصة بين ذلك الراوي وبين المروي لهم حول هذا الوضع. وهو كما أسلفنا ينسجم مع العنوان ذاته ودفع نحو المزيد من فعل السخرية.

    سنجد نفس السخرية في قصته ابتسامات من أحلام ذلك العجوز حيث يرسم بواسطة اللفظ وبطريقة غير مباشرة تفاعله مع ما يعده من كتابة لحفل التكريم «ظللْتُ طوالَ الوقتِ ألوي عنقي نحوَ الجدارِ المتشقِّقِ حيثُ الساعةُ العجوزُ تلهثُ باتجاه موعدٍ لا يجيء.. كانتْ عينايَ تقفزانِ إثرَ عقربيْهَا المتسلحفينِ بوهن، مستشعراً دقَّاتِهَا المتلكِّئةَ نبضاً في قلبي.. كنْتُ أعتصِرُ ذهني محَاولاً كتابةَ كلمة تليقُ بحدثٍ عظيمٍ كهذا.. لم تطعْنِي الكلماتُ بيسرٍ كما اعتدْتُ.. أحسسْتُ أنها تخونُني معَ كائنٍ آخرَ.. استعصَتْ عليَّ وأنا الذي ظللْتُ أتلاعَبُ بها كيفَ أشاءَ، ومتى أشاءَ فتجثو بين شفتيَّ طواعيةً كراقصةٍ لعوبٍ..»(19).

    إننا كما نلاحظ أمام ترابط العلاقة بين نمط الشخصية التي يمارس الراوي سخريته منها وبين العنوان الذي (بحسب السرديات) يخص الكاتب واختياراته، بحيث يصبح العنوان بذلك تجميعاً لحكايات تخص مجموعة من الذين احترقت سنواتهم.

    بينما سنجد في آخر النص في اللحظة النهائية (أو ما يعرف بلحظة التنوير لدى البعض) السخرية من خلال الحدث حيث تتحقق هنا السخرية على مستوى الحكاية باعتبار أن الحدث ينتمي مع الشخصية والمكان والزمان للحكاية التأسيسية، لنتابع ذلك هنا حيث الشخصية قد وجد نفسه في غاية الحرج أمام تلاميذه.

    «.. سقطَ القلمُ من يدي.. انحنيتُ لالتقاطِهِ.. تجمَّعَتْ تحتَ قدميَّ كلُّ الابتساماتِ التي ظلَّت تُحَاصِرني منذُ الصباحِ.. تفرقَعَتْ في أعماقي ضحكةٌ مجنونةٌ مختزِلَةً ابتسامَ اليومِ كلَّهُ، إذْ تبيَّنَ ليْ أني حضرتُ للمدرسَةِ نصفَ مدرسٍ محترم ٍ، ونصفَ درويشٍ.. مرتدياً نصفَ بِذْلَةٍ رسميَّةٍ وسروالَ النوم ِ وقبقابَ الحمامِ..!؟»(20).

    ثالثاً: السخرية عبر (أسطرة مشكوك فيها) في قصة ملكة جمال الكون لجمعة الفاخري:
    سيكون الخطاب السردي مختلفاً في قصة سيدة جمال الكون فهنا السخرية تتم عبر الأسطرة الموغلة في الشِدة، حيث يجد المروي لهم أنفسهم ضمن هذا الخطاب السردي الخاص أمام صورة هائلة القوة لشخصية تلك الجميلة، لدرجة لا تصدق، أو لدرجة بداية الشعور بمدى الرغبة في السخرية لدى الراوي والكاتب خلفه من الجمهور والأنثى المنتظرة بحيث يعكس ذلك كله رؤية في مفهومنا للجمال أو موقف من مفهومنا للجمال والأنثى.

    «تجلَّطَتْ الأبصارُ الجائعةُ على بابِ المسرحِ ترقُّباً لحضورِ القادمةِ الحسناءِ.. تهيَّأتْ للحظةِ العناقِ الباهرةِ.. اتخذَ مكاناً بينَ أكداسِ الأجسَادِ المترقِّبةِ.. تصبَّبَ تطلُّعاً محموماً.. كانَ بمقدورِهِ أنْ يستمعَ لخفقاتِ قلبِهِ تدقُّ مثلَ طبلٍ إفريقيٍّ..! تهيَّأ لتصويرِ الملكةِ المنتظرَةِ.. أثناءَ استعدادِهِ للتصويرِ طافتْ بخيالِهِ صورٌ متعدِّدَةٌ: «يا اللهِ..! ما أشدَّ فرحي.. فأنا لم أحظَ بشرفِ توثيقِ لحظةٍ مبهرةٍ كهذهِ»(21).

    ويستمر الراوي على طول القصة منتقلاً من الشخصيات بشكل عام عبر الشخصية المركزية التي نجد أمامنا هواجسها بشكل مباشر كما نرى فيما يلي:

    «.. إنها اختبارُ حقيقيٌّ لقدراتي التصوريَّة والفنيَّة.. سترفعني هذه اللقطةُ الصفقةُ إلى آفاقِ شهرةٍ رحيبةٍ..»(22).

    ثم يحدث الانتقال من جديد لصورة الأنثى كما تراه تلك الأعين وتتلقفه باقي الحواس، حيث مع المزيد من الانهماك في هذه الأسطرة والتفخيم للشخصية مع سرد لواقع الحال يختلط فيه السرد بالوصف ونتابع ضمنه الألفاظ التي تعكس سخرية خفية للراوي من الحضور. لنتابع هنا كيف تتجسد هذه السخرية الخفية ضمن الكلمات التالية:

    (تجلَّطَتْ الأبصارُ الجائعةُ،
    بينَ أكداسِ الأجسَادِ المترقِّبةِ،
    ضجَّتِ القاعةُ بتصفيقٍ مسعورٍ،
    انغمستِ الأبصارُ،
    هتفَ شاعرٌ هرمٌ بذلكَ،
    أضافَ صديقُهُ الموسيقارُ العجوزُ)(23).

    إننا كما نرى أمام ألفاظ منتقاة بعناية تعبر عن سخرية الراوي من الحضور ومن الأمر برمته ولكن هذه السخرية لا تأتي بشكل مباشر، وإنما عبر تلاعب خاص، حيث كل شيء مبالغ فيه بينما الرؤية الحقيقية تقدم من خلال ألفاظ خاصة تعكس رؤية مختلفة هي التي تعبر عن تلك المرارة الخفية تلك المرارة التي يبدو أنها كانت وراء كل هذه الأسطرة للشخصية. لنتابع هنا صورة تلك الملكة كيف تمّ تصويرها وكيف تمّ تصوير معاناة شخصية المصور:

    «ابتسمت الشمس فاندلقت مواشيرُ الضوءِ.. تدفَّقَتْ شلالاتُ الضياءِ تغمرُ المكانَ.. طارت الفراشات.. حامَتْ في الأرجاءِ المعطَّرَةِ المُؤْثَّثَةِ بألقٍ سرمديٍّ مهيبٍ.. ابتسمت أعماقُهُ بجلاءٍ.. أزاحَ العدسةَ من أمامِ ناظريهِ.. سرحَ بنظرِهِ نحوَ الشمسِ.. امتلأتْ عيناهُ بشعاعٍ سافرٍ»(24).

    يتحقق كما رأينا في أعمال «جمعة الفاخري» أكثر من توظيف للخطاب الساخر كما يتأسس الاشتغال نفسه على مستوى الشخصية في الحكاية، ونجده أيضاً عبر الأسطرة العكسية أو الأسطرة التي تحيل للسخرية كما رأينا مع قصته ملكة جمال الكون التي تتكئ على وعينا بعدم تحقق حضور أنثى أسطورية، بحيث يصبح كل ذلك مدخلاً لطرح رؤية الكاتب في الزمن وفي الحياة وتأملاته الخاصة بطريقة غير مباشرة.

    1-4 السخرية والأسطرة في مجموعة (سر ما جرى للجد الكبير) لعلي الجعكي:

    أولاً: مدخل:
    يتمتع القاص علي الجعكي بقدرة مميزة في خطابه السردي على ممارسة فعل الوصف، ونجد ذلك الوصف (عبر الصورة الساكنة أو المتحركة) في بعض النصوص يتحول من الوصف العادي لفعل أسطرة لما يتم وصفه، حيث نتحول مع الراوي من وصفه العادي إلى الحدود القصوى للكلمات. وغالباً ما يكون تركيز الراوي على اللقطة أو الحدث البسيط الذي يشتغل عليه بقوة ليحقق طرح رؤيته أو موقفه من شيء ما.

    ثانياً: الأسطرة في قصة الذئاب:
    في نصه (الذئاب) أحد نصوص مجموعته القصصية (سر ما جرى للجد الكبير)، نتابع صورة الذئب الجريح الكسير، ونجد علي الجعكي من خلال التصوير والأسطرة يمارس طرح رؤيته وفلسفته، حيث تميزت قصة الذئاب بقدرة الراوي المميزة على الجمع بين جوانب متعددة للقطة واحدة ترسم حالة ذئب جريح يعيش نزفه الأخير وعبر هذا الذئب ومفهوم الخيانة الذي نمتلكه نحن كقراء يطرح علي الجعكي رؤيته. لنلحظ هنا كيف دخل الراوي للقطته وكيف انطلق مصوراً ما يحيط بذلك الذئب.

    «أشعة شمس الغروب تتسرب من خلال الأغصان المتشابكة، فترسم دوائر ضوئية متداخلة على الأرض، وعلى الجذوع المغروزة في الرمل.
    بقع الظل تتلاشى عند أطراف دوائر الضوء الخافتة، فيتغير اللون من الرمادي الحالك إلى لون ألسنة اللهب.

    بعض العروق الناتئة على سطح الأرض تلتحم بالجذوع وتنغز أطرافها تحت الرمل»(25).

    إن الراوي كما نرى يقوم بتصوير الفضاء المكاني المحيط بالذئب ونلحظ كيف تساهم هذه الصورة بما احتوت عليه من ألفاظ تميل للعنف من أسطرة ذلك الكائن الذي سنلحظ حضوره فيما يلي، ومن هذه الكلمات (المغروزة، تتلاشى، الرمادي الحالك، ألسنة اللهب، العروق الناتئة، الرمادي الحالك) مع كم من ألفاظ تحيل على قاموس العنف الذي سنجد مبرراته بعد قليل.

    «دائرة من الضوء تشع على وجهه الترابي الهامد.. اللون اللامع في عينيه يكسر الضوء، فينعكس على الخرزتين اللزجتين، وينفلت بين الأهداب المغبرة شعاعاً دقيقاً.. تطرف عينه قليلاً لتطرد ذبابة متوحشة تطنّ داخل رأسه.. تنتصب أُذناه في همود.. يئن مع صوت الريح المتكسر على الجذوع المتصالبة.. يتألم في هذا العمق وحيداً»(26).
    إننا هنا أمام ذلك الكائن الذي تمّت أسطرته أمامنا، وهو في لحظات سقوط، ويتحقق للراوي عبر هذه الأسطرة مع التأكيد (على حقيقة أن ما يحدث يقين)، رسماً لرؤية في الألم عندما يصيب تلك الكائنات المتوحشة ثم كيف يقضي بعضها على الآخر عند سقوطه، بالطبع هذا ليس إلا جزءاً من قراءة سريعة لما يقوله النص الثري، ومن الممكن لقارئ آخر أن يرى فيه المزيد من الدلالات.

    لنتابع كيف يقوم الذئب القادم أو الكائن الليلي القادم بإنهاء حياة ذلك الكائن التعيس:
    «.. عيون ملتهبة تحدق إليه في الظلام.. تقترب منه... تبتعد قليلاً ثم تدور حوله دورة كاملة. يتبعها بنظراته الزائغة.

    تقعي حوله في دائرة ضيقة... يتقدم أحدها فيشم الجرح.. يدور حول الجسم الممدد.. يقترب من الرأس الهامد.. يزداد الأنين كآبة.. يلقي برأسه بين قائمتيه المغروزتين في الرمل.. كان العنق المعفّر في المواجهة.. يهرُّ القادم قليلاً.. يلعق مقدمة أنفه.. يتقدم نحو العنق، يركز نظره على نقطة واحدة تبرز قليلاً تحت نهاية الفكين.. يتقدم ببطء.. يحني رأسه قليلاً ويفتح فكيه القويين حتى يلامس العنق.. ينشب أسنانه في لحم العنق.. يضغط بقوة.. يتحول الأنين إلى حشرجة مكتومة.. تنسحق الحنجرة تحت الضغط الهائل... خيط رفيع من الدم ينساب حول الفكين القويين.. ينبثق من جانبي العنق..تخرج المخالب الحادة من مكامنها، تحفر خطوطاً عميقة على سطح الأرض... يتحرك الذيل بطيئاً وينكمش في شكل هلالي.. يتهدل الشدق وتنغرز الأسنان في لحم اللسان.. يهرب اللون من الخرزتين الغائمتين»(27).

    إننا كما نرى أمام صورة هائلة التعبير، فبعد أسطرة ألم الذئب، وهول ما يعانيه، ورسمه عبر الصورة الثابتة رسماً فاجعاً، نجد السرد يتحرك وندخل ما يمكن تسميته بالسينمائية في التصوير، حيث نتابع صورة الذئب وما يعانيه من ألم وهو يعوي، ثم بعد قليل تحضر الذئاب الأخرى ويتقدم أحدها ليلتهم ذلك الذئب، ويتحقق بذلك القانون الأبدي الخاص بالموت و الحياة والكائنات.

    وفي آخر النص نجد أمامنا تلك النهاية الفاجعة والطبيعية في الوقت نفسه، حيث ينظر القاتل بصمت للمقتول ينكس رأسه ثم ينطلق بعيداً عنه:
    «ينكس رأسه، ويضع ذيله بين قائمتيه الخلفيتين.. يدور دورة كاملة حول الجثة.. يشم العنق المهشم ويختفي بين الجذوع... ينهض القطيع.. يدور دورة كاملة حول الجثة.. يشم العنق المهشم، ويختفي في ظلام الغابة»(28).
    لقد استطاع الراوي وخلفه الكاتب أن يطرح بطريقة غير مباشرة رؤيته في التوحش وفي كينونة الكائن (الذئب) وفعل الرغائب الدفينة في القتل والموت.

    ثالثاً: السخرية والأسطرة العكسية في قصة «الوهم»:

    السخرية الحادة وغير المباشرة كانت في قصة الوهم أداة الراوي للتعبير عن الحالة التي تعيشها الشخصية، تلك الحالة من القرف والشعور بالرغبة في التحول من المكان ومغادرته بعيداً عن عبث رفيقه ودعواته الماجنة في التفاعل مع العاهرة، نجد الصورة تتأسس منذ البداية من خلال رسم للفضاء المكاني فيه بعض الطول، ولكنه رغم ذلك كان ضرورياً لوضعنا في السياق الحقيقي لألم الشخصية ونزفها الصامت على ما تجده من فعل ولا تعانده.

    «كنبتين جافتين ننغرز في رمل أغادير المشبع بالماء والأصداف والزلط الملون.. وراءنا جرف صخري شاهق برزت الأسنان المنشارية بين انكسارا ته المفاجئة ناحية البحر.. أمامنا امتداد هائل يرتطم قاعه في غموض.. يسكنه عالم من العنف والأسرار القديمة..»(29).
    إن الراوي كما نرى يمارس شيئاً فشيئاً وضعنا في سياق قلق شخصيته من خلال الصورة الساخرة والألفاظ المعبرة عن التذمر والقلق، كما نجد ذلك من خلال المسافة بين الحوارات، حيث يجد هناك المفضل للسخرية من الذوات المجتمعة هناك على ذلك الشاطئ الأطلسي:

    «.. وها أنا في هذا القيظ أجرّب شيئاً جديداً في حياتي، مع بقايا امرأة احترقت بجمر التجربة حتى الثمالة، فأضحت سراباً لا تفصلها إلا خطوات عن العدم.

    - معلمة مليكة عليك بترويض هذا المتخلف ولك مني ألف درهم.

    وأخرج ورقة مالية دسمة مررها أمام ناظريها، ثم خبأها في سترته.

    بسمة خبيثة ارتسمت على فمها المحشو بقطع عظمية هائلة.. فرح غامض ظهر على وجهها المتغضن. رعشة سرت بجسدها ارتعش معها جلبابها القديم»(30).

    تبدو كما نرى ألفاظ السخرية حاضرة، وهي بالطبع ليست السخرية الطبيعية، إنها سخرية تناسب اللحظة وشِدة تألم الشخصية ما يحدث له، السخرية تتمحور غالباً حول الشخصية الموشومة بالعار أو تلك التعسة التي وضعها قدرها أمام ضيفنا القلق.

    وتستمر تلك الصور السوداء التي ترسم بسخرية مُرة حِدة الوضع المتأزم وما تعانيه تلك الذات أمام وطأة التجربة الجديدة.
    «اتسعت بسمتها وامتدت يدها إليّ فاقتادتني خارج الفندق، إلى هذا الجزء من الجحيم المنتحب تحت أقدام الأطلس.
    وحيدين ندهس الرمل والقواقع والأسماك الصغيرة الميتة التي لفظها البحر.. نبتعد عن أطراف المدينة كجرذين موبوءين.. نعرض جسدينا لآلاف من الأسياخ الملتهبة، نغوص في عرقنا النتن وأفكارنا المفككة.. يبتلع أقدامنا اللهب .. تملأ خفّينا شظايا الرمل وتتسرب بين أصابعنا.. نحاول خلع أحذيتنا لكن الرمل لا يطاق».

    المقطع السابق نلحظ فيه - برغم تركيزنا على السخرية - أسطرة للحال وللألم، وهنا نجد أمثلة لذلك حيث (الراوي/الشخصية) يرسم اللعنة التي يعيشها عبر ألفاظ تتناسب مع واقع الحال مثل (ندهس، الميتة، كجرذين موبوءين، الأسياخ الملتهبة، عرقنا النتن).
    إننا كما نرى أمام التحول من السخرية التي مركزها (الأنثى) إلى أسطرة ألم الاثنين معاً وحِدة الوهج النهاري، ثم بعد أن أصبحت الشخصية أمام الأمر الواقع نجد الراوي يستخدم الأسطرة العكسية وهي بعيدة بعض الشيء عن السخرية (عبر ما تتميز به من حِدة وموقف معادٍ من المستهدف بها).

    «يا للفظاعة.. يا لهذا الجسد المتآكل.. جلد محروق وعظام ناتئة لا تمت للحياة بصلة. معالم الجسد تتداخل في بعضها مكونة عموداً جافاً انتصب بجانبي... شعرت بغثيان شديد.. يا لضآلة هذا الإنسان الكريه.. الحياة وهم كبير كما قال صاحبي..»(31).

    إن الصورة السابقة ترسم أمامنا وبقوة حِدة توتر الشخصية وموقفها ويصبح هنا من الممكن في هذه اللحظة الدرامية ومع هذا النمط من التصوير أن نجد الرؤية كاملة تطرح، ولكن الراوي - رأفة بشخصيته - يجد له معبراً للمزيد من الألم وحتى لا يفقد احترامه الذاتي لذاته أكثر فيتم استخدام (الحشيش) أو المخدر أداة لذلك وبعد أن يزيد من التوتر سيكون من الممكن تفعيل الخطاب ورفع الدراما وذلك لطرح رؤيته أو موقفه وهي رؤية رافضة بلا شك ولكنها في الوقت نفسه ترسم الشخصية المستكينة.
    « أخرجت من حقيبة يدها لفافة رخوة، وعلبة سجائر.. أفرغت سيجارة من محتواها وملأتها عجينة مخلوطة بقطع التبغ.. أشعلتها وقدمتها لي..

    -عليك أن تبتلع الدخان لا أن تخرجه من فمك وأنفك.. ابتلع.. ابتلع... دع الدخان يشربه صدرك ورئتاك.

    (...) ابتلعت دموعي وإفرازاتي الحمضية، أعوامي المثقلة بالقحط وبكل مآسي العالم. الكير ينتفخ بعاصفة هائلة تضغط على جدرانه (....) أبتلع كل شيء.. هيكل معلمتي بجلده العطن. القواقع والحصى والطحالب الجافة ألقي بها في أشداق ثقب أسود هائل كالجحيم... أنياب أسطورية تطحن بشراهة.. تفتت أعماقي النائية، الضاربة في صحراء من الرماد والصخور المحترقة»(32).

    إننا كما نرى أمام التحول من الحال العادي والأسطرة العكسية الخفيفة بعض الشيء، لواقع الحال بعد تناول المخدر والوقوع في اللحظة الحرجة التي كان النص كله قد بُني لتصويرها. هنا يبدأ الرسم السوداوي كأنما الشخصية الذكر يريد أن يكفِّر بذلك عن لحظة الانزلاق أو لحظة الاقتراب من تلك الهشاشة. وذلك الفقد للسامي فينا، فيعود ليلملم الذات، ويعيد لها لحظة تركيز كما يمارس فعل لعن غير مباشر لرفيقة تجربته عبر الأسطرة العكسية.
    «أهشّ الذباب الذي يقتاتها... أجمع الأعضاء المرتعشة. أصفها على الرمل.. المدّ كان يبعثرها.. أعيد ترتيبها.. تخرج المعلمة من الأشلاء المطوحة.. من قطرات الدم.. من عفن الأحشاء تلم شتاتها. ترقص على الجسد الممدد بأقدامها المشققة.. بثقل أعوامها الجدباء.. أتقزز من رائحة جلبابها»(33).

    إننا كما نرى أمام موقف خاص من قضية الدعارة والممارسات الخاطئة وغير الشرعية، لم يقم الراوي لطرحها وتصويرها باتخاذ موقف الناصح وإنما تفاعل مع ذات الشخصية وعبر كل القرف الممكن ومن خلال أبعاد ذاته المتشظية قام بتصوير قصته فكانت تعبيراً (من رؤية ذكورية) عن الألم الذي تتسبب فيه هذه الخطايا.
    الأسطرة كانت في نص الذئاب لطرح رؤية في الخيانة وفي الموت والألم والعجز بينما هنا لرسم موقف.

    مما سبق ذكره نجدنا مع السخرية في البداية ثم مع الأسطرة العكسية، حيث تحولنا من اللفظ البسيط الساخر إلى الصور التي ترسمها قناة شخص مهتاج يعيش لحظة متأزمة فكانت بذلك أفضل تعبير ممكن عن الرفض وكراهية الخطيئة عموماً، وإن كان كما رأينا على الأنثى أن تتحمل وزر الخطيئة وحدها فالرفيق المصاحب الذي دعاه لذلك لم يكن ضمن دائرة الرصد تلك.
    1-5: السخرية والأسطرة في بعض قصص مجموعة بكاء الصراصير لأحمد يوسف عقيلة:

    أولاً: مدخل:
    تتحقق السخرية لدى القاص أحمد يوسف عقيلة ضمن نسق علاقات المجتمع النصي الخاص الذي يبنيه دائماً، ولكننا سنلحظ أنها غير دائمة الحضور في الكثير من نصوصه، حيث يشتغل أحمد يوسف عقيلة على أكثر من خطاب نوعي بحيث يشكل عالمه ويستعين بفواعل غير بشرية لبناء عالمه الحكائي، ونجد السخرية تتحقق على مستوى الحكاية، حيث يقوم الراوي بتأجيل الجزء للأكبر من المفارقة التي تثير السخرية حتى (لحظة التنوير)(34)،بينما يضع الراوي بعض التلميحات التي تعبِّر عن المفارقة ولكن بشكل مبهم غير واضح.

    ثانياً: السخرية في قصة المشوار:
    في قصته (المِشْوَار) إحدى قصص مجموعته القصصية (بكاء الصراصير)(35)، يحكي لنا الراوي قصة ذلك الفارس على فرسه، ويتلون أمامنا ذلك الفارس بكل صور الفروسية الممكنة.
    «... يقف بخيلاء الفرسان.. يُطوِّح برجله اليمنى من فوق ظهر الفرس.. يُمسِّد على عنقها الأملس بحنان.. يُـمسك اللجام بيده اليسرى.. يلتفت إلى الجموع الحاشدة على الجانبين.. يُحس بالزهو وهو يسمع صيحاتهم»(36).
    ثم بعد هذه الصورة التي تبدو محايدة وهي ترسم صورة ذلك الفارس على فرسه نجدنا أمام تلميح من الراوي عن طبيعة الشخصية التي يرسمها في المقطع الثاني:
    «( 2 ) ينظر (خليفة) إلى جهة النساء.. يسيل اللعاب خيوطاً على صدره.. يمسح أنفه بطرف كُمِّه.. يحشر سبابته في أُذنه مُغمِضاً عينيه.. يقترب الأطفال.. يتحسسون جسد الفرس الأملس»(37).

    بينما سنجد في نهاية المقطع الثالث الصورة الحقيقية لذلك الفتى المسكين وهو يمارس لعبه على مكنسته بحيث تتضح أمامنا الصورة الحقيقية له:
    «.. يرفع ذراعه مُلوِّحاً.. يبصق في يده اليمنى.. يضرب بكفِّه على مؤخرته.. و.. ينطلق في مشوارٍ لاهـث.. بينما عصا المكنسة تُثير خلفه زوبعةً من الغبار..!»(38). الصورة السابقة كما نرى برغم كل ما فيها من سخرية إلا أنها جاءت منسجمة مع طبيعة الس

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 12:19 am